الرئيسية / غير مصنف / ذكريات معلم في المدرسة المعمدانية

ذكريات معلم في المدرسة المعمدانية

 

ذكريات معلم في المدرسة المعمدانية

الأستاذ والمربي إيليا قبطي

الأستاذ والمربي إيليا قبطي من مواليد سنة 1940 وهو جار المدرسة، يعيش حتى هذا اليوم في نفس البيت الذي ولد فيه.

مشاركات الأستاذ إيليا من ذكرياته:

كانت دراستي حتى الصف الثالث في مدرسة حكومية، ثم انتقلت للمدرسة المعمدانية التي كانت مدرسة جديدة في الناصرة، وكان أحد أبناء عمي، المربي يوسف قبطي، أستاذًا فيها. بدأت دراستي في المدرسة من خريف 1950 حين كنت في الصف الرابع وتخرجت منها في الصف الثاني عشر سنة 1959 م.

الطالب يصبح معلمًا:

بعد تخرجي مباشرة تحولت من تلميذ إلى معلم، وكذلك الأمر مع زميلي المربي سمير عيلوطي. (تقاسَمَ كلانا – نحن الاثنان) وظيفة كاملة، نصف وظيفة لكلّ واحد منّا. في ذلك الوقت لم يكن تخصص للتعليم، فكان مطلوبًا من المعلم أن يُعَلّم كلّ المواضيع، وخاصة في المدرسة الابتدائيّة. على سبيل المثال علّمت موضوع التربية البدنية بدون أي تخصص، (للمعلومية، كان طلاب صفوف الأول إلى السادس في عمارة الروم، في حين كان طلاب الصفوف العليا في العمارة الحالية للمدرسة).
في آب 1959 م. طلب مني مدير المدرسة الأستاذ الراحل إميل نصير، أن أحضر إلى مكتبةٍ لأباشر العمل في المدرسة تحت إدارته وتدريبه. وتابعت عملي في التعليم منذ تلك السنة حتى سنة 2005 حين خرجت للتقاعد. ولكني تابعت عملي بعدئذٍ في المدرسة من سنة 2005 حتى سنة 2015 حيث عملت في مكتب المدرسة لتنظيم ومتابعة امتحانات البجروت.

مميزات دورك كمعلم في المدرسة في تلك الفترة:

العلاقة الحسنة والجيّدة مع ثلاث جهات:

  1. مع الطلاب: وإن لم أكن في بداية عملي أكبر منهم بكثير بالعمر، كنت أعاملهم كإخوة وداومت على ذلك.
  2. مع زملائي المعلمين: الذين شجعوني كثيرًا وكانوا مستعدين وحاضرين لمساعدتي في بداية سنوات عملي وتوجيهي في المضامين التعليمية وكيفية التصرّف وأساليب التعليم، فكانوا دومًا على أهبة الاستعداد لإرشادي لأكون أفضل ما يمكن كمعلم.
  3. إدارة المدرسة: تكوّنت إدارة المدرسة من المدير الأجنبي (المدير العام هيرمان بيتي) والمدير المحلي الأستاذ الراحل إميل نصير. فكان الأستاذ إميل يقدم لي كلّ مساعدة في كلّ استفسار، إذ لم تتوفّر مناهج تعليمية مناسبة لكلّ المواضيع، وإن وجدت مناهج لمواضيع معينة، كانت هذه المواضيع نفسها تفتقر للكتب التعليميّة المناسبة.

أتذكر:

  • كنت أخرج صباح كلّ يوم من البيت إلى المدرسة، فاستغرب أحد أصحاب الحوانيت، واستفسر عن الأمر، وسأل: “هذا الشاب إيليا، أين يذهب كلّ يوم؟” فأجابه أحدهم: “يذهب ليعلم في المدرسة المعمدانية”، فقال: “هذا الولد صار معلمًا”، إذ كنت صغيرًا في السن.
  • عندما علّمت الرياضة لبعض الصفوف، علّمت بالضبط كيف علموني في المدرسة عندما كنت طالبًا.
  • في تلك الفترة لم تتوفّر كتب بأيدي الطلاب، كان اللوح هو الكتاب والدفتر، وكان الطلاب ينسخون عن اللوح. مثلًا في حصة الموطن كنّا نتحدث عن الصحة والنظافة، وفي طابور الصباح كنّا نتفحص أظافر الطلاب إذا كانت مُقَلَمة أم لا، ونتفحص نظافة الأذنين والشَعر.

من مميزات المدرسة المعمدانية في تلك الفترة:

  1. كانت المدرسة المعمدانية هي الأولى في كلّ الوسط العربيّ التي شملت طلابًا وطالبات معًا منذ تأسيسها، حيث كانت مفتوحة لكلا الجنسين للتعلّم فيها (للطلاب والطالبات). وهذا ما سبّب تذمّر كثير من أهل البلد لكون المدرسة شاملة للذكور والإناث، ولكن إدارة المدرسة آمنت بتوجهها واستمرت بنهجها رغم الانتقادات لإيمانها بصحة ما تفعله.
  2. تميّزت المدرسة المعمدانية بكون دروس الدين مبنية على دراسة الكتاب المقدس مباشرةً، كمصدر أساس، وليس من كتاب خاص لتعليم الدين. علّمونا وعلّمنا الطلاب معرفة الكتاب المقدس ومحبة الله والانسان، من خلال الأناجيل وقصص العهد القديم.

طرائف أتذكرها:

  • في إحدى المرات خلال حصة التاريخ، قام طالب بحركة معيّنة بيده، فهمت منها أنّه متضايق مني وكأنه يتمادى ليقول لي: “خلص بكفي…اتركنا”. ولكني تجاهلته و”طولت بالي عليه”، وبعد دقائق حصل نفس الأمر، فسألته لأستفسر ماذا يريد، فقال: “رجاء أستاذي، أطلب من الطلاب أن يتقدموا بمقاعدهم للأمام، لأنه لا يوجد عندي مسافة للمقعد”. الأمر ساعدني لأدرك أنّ ليس كلّ ما نفكر به هو حقيقي، وقد نخطئ في فهم وترجمة قصد الطلاب، لذلك من المهم أن نسأل ونستفسر وأن يكون لدينا “طول بال “.
  • في مرة أخرى كتبت طالبة جملة بأحرف من “موضة الجيل”، فلاحظت الورقة وأخذتها وقرأت فيها: “شو هذا المعلم مش ملبق ملابسه” ولم أعطها أيّة ملاحظة، وفي نهاية السنة تقدمت لي الطالبة واعتذرت على ذلك.

ملاحظاتي بخصوص تغييرات في نظرة الأهالي والطلاب للمدرسة:

عملت 45 سنة في التعليم ولاحظت تغييرات بخصوص نظرة الطلاب والأهالي للمدرسة والمعلمين:

في البداية لم ألاحظ تغييرًا في الطلاب، فكان الأهل أصدقاء للمعلمين والمعلمين أصدقاء لهم، وكان الأهل يقولون: “خذوا اللحمات واعطونا العظمات.”، أي نسمح لكم باستخدام الحزم في التقويم والتربية، وندعمكم.

كان المعلم مربيًّا أولًا ثم مُدرّسًا. كان موضوع التربية للأهل مهم جدًا.

خلال سنوات السبعينيّات، صرنا نلمس أن الطالب يتغير أثناء العطلة الصيفية، أحيانًا للأحسن وأحيانًا لأسوأ. ومن فترة الثمانينات والتسعينات لاحظنا تغييرات سريعة في أوضاع الطلاب، حتى أنّ التغييرات صارت أسرع، وكنا نلاحظها بعد عودة الطلاب من عطلة الميلاد (وهي عطلة قصيرة لأسبوعين)، وهذا التغيير يعبّر عن تغيير سريع في المجتمع.

ما كان لافتًا لنظري في تلك الفترة أن تغيّر السلوك للأسوأ كان يصحبه تحصيل دراسيّ أفضل، ربّما لأن الطلاب أصبحوا يدركون أهمية العلامات والنتائج العملية وأهملوا سلوكياتهم، وربّما أيضًا أن المعلم أصبح حذرًا جدًا في تعامله مع الطالب، في توجيه سلوكهم أو توبيخهم.

بعد سنوات التسعينات، أصبح الأهل يرون أيّ توبيخ كأنه اتهام لتربيتهم لابنهم. في هذه الفترة أصبح الطلاب أكثر حريةً.  نسبةً لحالة “الكبت” في السابق. (أصبح الوضع أكثر حرية وهذا ليس بالضرورة أمرًا سيئًا) ولكن يجب النظر للأمور بشكل حكيم.

في الماضي كان معظم المعلمين في معظم المدارس يحملون عصاة التأديب، وكانت مقبولة كعقاب جسديّ بدون أن تسبب أذيّة جسدية للطالب. ولكن مع مرور الوقت والأجيال الجديدة وتغيير نظرة الآباء أصبح الأهل يعترضون على ذلك ويهدّدون أي معلم يستخدم هذا الأسلوب.

كانت عمتي وهي معلمة، وقد تقاعدت سنة الخمسين، توصيني دائمًا الّا استخدم الضرب كإجراء للتعليم أو السلوك، وكانت تقول لي: ” لا تضرب، اللي ما بده يتعلم، فلا حاجة لأن يتعلم.”

شخصيات أثّرت فيَّ:

بشكل عام تأثرت من المعلمين، من زملائي المثابرين، مِنَ الذي يعطي الدرس نصيبه، بدون أن يُهمِل، ويستثمر كلّ وقت الحصة. تأثرت من المعلم الجدّيّ مع الطلاب في الصف، والذي يبني علاقات جيّدة مع الجميع. وكذلك احترمت الإدارة التي كانت تقف داعمة إلى جانب المعلم، في التدريب والتعليم وإدارة الصف.

رسالتي للطلاب:

أصبح التعليم أمرًا مهمًا جدًا، ونحن كأقلية يجب أن نتعلم من الأقليات في بلاد أخرى، فمثلًا الأمريكان السود كانوا مضطهدين جدًا، وفي وسط الظروف الصعبة برهنوا كلّ قدراتهم وامكانياتهم، ولكن اجتهادهم ودراستهم وتعلمهم أعطى نتيجة، حتى أفضل من نتائج الأمريكان البيض في الكثير من الأحيان، مما أكسبهم مركزهم وغيّر الرأي العام بخصوصهم في سنوات الستين. من خلال العِلم تغلّبوا على سياسة الاضطهاد، وسياسة التمييز.

نرى اليوم أنّ هذه الطريقة متبعة في الكثير من المدارس العربيّة والأهليّة، تغذية طموح الطلاب للتقدم العلميّ والأكاديميّ من أجل مستقبل أفضل. أشجع الطلاب على الاستمرار للتعليم العالي من أجل مستقبل مشرق.

رسالتي للأهالي:

التعاون مع المدرسة والمعلمين مهم جدًا، فأولادكم ليسوا لكم فقط، بل لكلّ المجتمع. من المهم أن تشجعوا أولادكم على التعلّم الأكاديمي في البلاد أو الخارج، ومن ثم العودة لخدمة البلاد والمجتمع الذي ترعرعوا فيه.

رسالتي للمعلمين والإدارة:

من المهم أن يشعر المعلم اليوم أنه مدعوّ ليكون معلمًا، فالتعليم دعوة، لكي يتقدم ويتدرب ويُحَسِّن أساليب التعليم والتعامل مع الطلاب، بما يساهم في تقدمهم، ليكون مثالًا وقدوة لطلابه.

خاتمة:
حاولت أن أقدم عبرة مختصرة عن عملي في المدرسة، أرجو أن تساهم في الحفاظ على الذكريات المدرسية الجميلة، وتُلهم البعض في بعض الأفكار الإيجابية البنّاءة.

محبّتي لمدرستي…المدرسة المعمدانية.

شكرًا للمربي، الأستاذ إيليا قبطي على هذه المشاركات والذكريات الطيّبة.

شكرًا للمربية منال حداد على المراجعة اللغوية.

قام بالمقابلة المربي د. عزيز سمعان دعيم.

 

شاهد أيضاً

المدرسة المعمدانية في صدارة وريادة أفضل المدارس في نتائجها لعام 2024

نحو تكليل الفوج ال 70 المدرسة المعمدانية في صدارة وريادة أفضل المدارس في نتائجها لعام …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *